حول imageحول image
حصن ثلا التاريخي
حصن ثلا، يطلق عليه أهالي مدينة ثلا اسم “حصن الغراب”، فهو جبل وعر يتميز بشكله المخروطي ونهايته المستوية والواسعة ،ويتكون من كتل صخرية رملية ضخمة مترابطة وشديدة الانحدار من جميع الجهات، لذلك يوحي مظهرها أنها متراصة فوق بعضها بانتظام يصعب الترجل فيها صعوداً إلى نهاية الجبل. ولأهمية الحصن إستراتيجياً أدركت السلطات المركزية القديمة (في فترة ما قبل الإسلام) أن الصعود إلى أعلاه لا يكون إلاً عبر طريق، لهذا أقاموا طريقاً صاعداً بعضه مبني بالحجر وبعضه منحوت على الصخر.

تاريخ حصن ثلا
والحصن بمكوناته ومنشآته المتعددة والمختلفة حدث له هجر بعد دخول اليمن الإسلام ، وكان هذا الهجر قد استمر ربما لحوالي ثلاثة قرون من الزمن ، ثم أعيد استخدامه في عهد الدويلات اليمنية المتعاقبة على حكم المناطق الشمالية من اليمن بما فيها منطقة ثلا ؛ حيث المصادر التاريخية تشير إلى أنه في هذه الفترة كانت اليمن قد انفصلت عن الحكم العباسي، فعاشت اليمن بعد ذلك في فوضى وحروب داخلية استمرت لحوالي أكثر من مائتين سنة خصوصا في المناطق الشمالية ، ظهر خلالها عدة أئمة في آن واحد كل منهم يقود حملات ضد الأخر. وأثناء صراع الأئمة وتلك الحروب التي قاموا بها ضد بعضهم البعض تعرضت مدينة ثلا والحصن للتخريب والحرق أكثر من مرة بحسب ما تذكره بعض المصادر التاريخية وتؤكده الأدلة الأثرية التي عثر عليها في مناطق التنقيبات الأثرية التي أجريت داخل منشآت البوابة السفلى الرئيسية للحصن.
 وكان هذا النشاط قد بدأ يختفي تدريجياً منذ حوالي مطلع القرن الثامن عشر الميلادي كما تظهره ندرة الفخار والمواد الأثرية الأخرى، بعد هذا التاريخ اختفت مظاهر النشاط البشري فيه فتحول إلى مكان تسكنه الغراب والجوارح والطيور الأخرى. ومنذ الستينات من القرن الماضي استخدم الحصن كموقع عسكري واستمر كذلك إلى قبل حوالي العشر السنوات الأخيرة.

أهمية حصن ثلا
كان للحصن أهمية إستراتيجية، فهو يشرف على الطرق والممرات الرئيسية التي تربط المناطق الجنوبية الغربية ومدينة صنعاء بالمناطق الشمالية، وهو يشرف أيضا على عدد من الوديان والقيعان الزراعية الخصبة. تشير الدلائل الأثرية إلى حدوث تغيير في وظيفة الحصن في الفترة الإسلامية، وتحديدا بعد القرن العاشر الميلادي، فقد أصبح مكانا يلجأ إليه حكام الإقليم أثناء الصراعات التي كانت تحدث بين الدويلات الزيدية التي تعاقب حكمها على المناطق الشمالية من اليمن، ومن ناحية أخرى بينها وبين القوات التركية.
 لكن الاكتشافات الأثرية التي حققها الفريق الأثري اليمني أثناء التنقيبات التي أجريت في الحصن تظهر أن الموقع وربما كان له وظيفة دينية ، حيث يعتقد أنه كان مكانا للعبادة ودفن الموتى . كان هذا مجرد احتمال ترتب عليه فرضية الوظيفة الدينية للحصن التي تتطلب بدورها أن يكون في الحصن معبداً قديماً تمارس فيه الطقوس الدينية. وقد وردت إشارة في الكربوس (CIH : 149) تفيد أنه يوجد إله كان يعبد في منطقة ثلا وكوكبان واسمه (نظوح)، وفي الحصن أيضا عدد كبير من القبور الصخرية على بطن الجبل ، ووجود هذه القبور منحوتة في الصخر يجعل فرضية كهذه أمرا يستوجب التحقيق فيه. لكن أين هو مكان المعبد القديم المفترض ؟ هذا ما ستجيب عليه نتائج التنقيبات الأثرية التي يجريها الفريق الأثري في الموقع.

الكشف عن البوابة السبئية
الكشف عن البوابة السبئية كان من أهم نتائج التنقيبات الأثرية في موقع الحصن. كما كشفت عن مجموعة من المنشآت بنيت على الطبقات الصخرية، وتظهر أنماطاً معمارية شديدة الإتقان، تتلاءم مع الغاية التي أقيمت من أجلها، فظهرت متكاملة من حيث الجوهر، تخصصت أجزاؤها وأقسامها بما يتناسب ودورها الوظيفي، فكان تنظيم أشكالها ضمن منظومات هندسية تنسجم مع عبقرية المكان.

تكوين البوابة السبئية
وتتكون البوابة السبئية من أبراج وأسوار وممرات ضيقة متعرجة ذات أرضيات مرصوفة بالأحجار، ومداخل وأنفاق سرية وبوابات داخلية تربط هذه الممرات ببعض ، وطريقاً معبداً صاعدا إلى نهاية الحصن . وجميع هذه المنشئات لها خصائص تقنية وإنشائية مميزة أجري عليها تحقيقات أثرية أولية حاولنا فيها التعرف على تقنية البناء والمواد الإنشائية المستخدمة كخطوة أساسية في عملية التحقيق أفادت في تحديد تاريخ هذه المنشآت بالفترة السبئية – الحميرية (حوالي الألف الأول قبل الميلاد – القرون الستة من بعد الميلاد)، وتم في ضوء ذلك تحديد أول هجر لها بعد دخول الإسلام إلي اليمن وهو هجر ربما استمر لفترة طولية وأنتهي بخروج اليمن عن تبعيتها للخلافة العباسية وظهور الدولة الزيدية والصراعات التي حدثت بين حكامها حيث استعاد الحصن أهميته كموقع إستراتيجي حرص حكام الدويلات المستقلة الاستيلاء عليه والاستحكام فيه.
 وكان من نتائج الأبحاث الأثرية العثور على نقوش سبئية ورد فيها ذكر اسم مدينة ” ثلا “، وتؤرخ هذه النقوش إلى القرن الرابع قبل الميلاد. وكان من بين هذه النقوش نقش يمكن إعادة تاريخه إلى النصف الأول من القرن السادس قبل الميلاد، وقد ورد فيه ذكر المكرب السبئي “ذمار علي” ومعه يذكر اسم “يدع إيل”، ويتحدث النقش عن الحرب الذي قام بها “ذمار علي” ضد قتبان.





تم عمل هذا الموقع بواسطة